الصيد بالصقور..هواية عريقة تحولت إلى رياضة وتجارة مربحة لدول الخليج


تعدّ هواية القنص والصيد بالصقور من الهوايات المحببة لدى كثيرين من أبناء جزيرة العرب قديمًا وحديثًا، وقد شغف بحبها كثير منهم؛ فأصبحواخبراء في هذه الهواية، وقد قيل كثير من الأشعار والقصائد الدالة على مدى محبتهملهذه الهواية ومدى حبهم للصقر.
وقد ازدهرت تجارةالصقور وأصبح لها العديد من الأسواق والمزادات الخاصة بها نظرًا للإقبال الشديد علىهذه الهواية خصوصًا من الأغنياء والأمراء والشخصيات الكبيرة، وتعتمد أسعار الصقوربشكل رئيس على مواصفات الصقر من حيث النوع واللون والحجم، ويصل بعضها لأسعارخيالية؛ خصوصًا إذا كان (وحشًا ) أي غير مستأنس.
ولعل أكثر ما ينتظر محبي هذه الهواية بفارغ الصبر هو موسم القنص والصيد بالصقور إذ يستعدّون قبلها بعمليات تجهيز وتدريبالطير للقنص والصيد، وهو ما يسمى (نقلة الطير) أو (شلة الطير) إذ يتم فحص الطير بعرضه على الطبيب المختصّ أو من خلال وزنه للتأكد من سلامته وعدمتعرضه للأمراض في أثناء ربطه أو شبكه، وينصح أن يتم تجويعه تدريجيًّا كي لا يفقد وزنهويكون عرضة للإصابة بالأمراض.
ويبدأموسم قنص الطيور من شهر أكتوبر ويمتد إلى نهاية شهر أبريل أي من بداية الوسم حتى نهاية فصل الربيع، وهذا وقت عبور الطيور المهاجرة فوق الجزيرة العربية؛ خصوصًا طيورالحباري والكراوين، ومع نهاية موسم الصيد والقنص يتم ربط الطير أو شبكه ثانية، ويستمر ربطه إلى ما يقرب من ستة أشهر؛ وهي مدة (القرنسة)؛ أي عملية استبدال الريشعند الصقور، إذ إنه في هذا الوقت يبدأ الطير بتبديل ريشه، وهو ما يطلق عليه مسمى(يقرنس الطير).
ومن المستحسن أن يظل الطير مبرقعًا طوال الوقت ولا ينزع عنه البرقع إلا على يد صاحبه، ويجب الحرص على عدم تعرضه للبرودة الزائدة، كما يجب الحرص على إطعام الطائر وخلوّه من العظام الدقيقة وفصل رأس الحمامة ورقبتها قبل إطعامها للطير، لأنهما مسببان رئيسان لمرض الصرع الذي يصيب الطيور، كذلك يجب المحافظة على نظافة الدس وسطح الوكر.
ولا شك أن عملية تدريب الصقور على القنص تحتاج إلى مدرب (صقار) يتحلى بالصبر والنفس الطويل والأعصاب الهادئة والخبرة الطويلة،لأن عملية التدريب ذاتها تمرّ بعدة مراحل شاقة ودقة في المعاملة لتحول الجارح إلى طائر مستأنس تراه مهذبًا مطيعًا لأوامر معلمه، وهنا يتجلى  فنّ الصقارة.
ويعتمد تدريب الصقور في الأساس على تطويع الصقر وجعله أليفًا يستبدل بخوفه الطبيعي من الإنسان إلى التطلع نحو الطعام جزاءً ومكافأةً يلتمسها عند صاحبه وجعله في مستوى ذهني وعضلي مرتفع يحقق له حسن التفاهموالتفاعل مع مدربه لأداء المهام المطلوبة منه وصولًا إلى ميدان القنص والصيد بالشكل الصحيح.
ويعدّ الصقر الحرّ والشاهين من أفضلالصقور التي يفضّل أهل البلاد تدريبها والصيد بها، إذ يتعمد معظم المدربين (الصقارين) تعليم طير حر واحد وشاهين واحد كل موسم، ولكن يستطيع المدرب الجيد صاحب الخبرة والتجربة تدريب اثنين في وقت واحد، ومن المعروف أنهم يحتاجون لوقت مابين20 إلى50 يومًا لتدريبهما، بعدها يستطيع أن يعرف الحر صاحبه والتعرف على صوته وسماعندائه وتلبية أوامره.
ويبدأ المدرب (الصقار) عمله مع الحر لتأنيسهبأن يغمض عينيه حتى لا يزعجه شكل الإنسان، وهنا يتم استخدام البرقع لتغميض عينيه، ليقوم المدرب بإعطائه اللحم الطري وهو ينادي عليه ويلمسه بيده في حنان بالغ ورفق، ويظل هكذا يأكل ويحسّ بالمدرب ويسمعه دون رؤية صورته لكي تخفّعند الصقر حدّة التوتّر ويبدأ بالاطمئنان لصاحبه ويحمل طوال الوقت علىالمنقلة.
وتتركز المرحلة الثانية من التدريب على عملية تسمى التلويح للصقر،إذ يوضع الصقر على منقلة على بعد 50 مترًا من مدربه ويبدأ المدرب بالنداء باسمه بصوت عالٍ، ويكرّر النداء عدة مرات مع التلويح له،وعندما ينتبه الصقر للنداء يقوم أحد الأشخاص برفعالبرقع عنه فيطير الصقر إلى مدربه الذي يقوم بدوره بإطعامه، وتكرر العملية عدة مراتقبل عملية التدريب الأخيرة.
وللقيام بعملية التدريب الأخيرة فإن على المدرب (الصقّار) هنا أخذ الطائر إلى منطقة صحراوية مفتوحة بعيدًا عن المدن والقرى، حيث يتم النداء على الصقر من مسافة بعيدة ويترك الصقر عند أحد الأشخاص ويذهب الصقار بعيدًا مسافة تقدَّر بنحو كيلومتر تقريبًا، ويبدأ بالمناداة على الصقر ويلوّح له، فيخلع الشخص البرقع عن عين الصقر الذي يسارع مندفعًا إلى صاحبه، وعند إطعام الصقر يجب أن يتأكد صاحبه من أن الصقر أكل من بعض الريش، لأن الريش يساعد على الهضم وتنظيف المعدة، والصقر يتخلص من الريش عن طريق البراز بعد عدة ساعات، وهكذا يكون الصقر قد أنهى تدريبه.


شرح الصور:
مجموعة من صور الصقّارة السعوديين الذين يقومون بتدريب الصقور بالقرب من منطقة تبوك شماليَّ غربيَّ المملكة بعدسة وكالة "رويترز".